تأثير الحقيقة الوهمية، أو ما يُعرف اصطلاحًا بـ(Illusory Truth Effect) هو تأثير نفسي يميل فيه الأشخاص إلى تصديق المعلومات، أو الأخبار الواردة؛ لمجرد تكرار سماعها، متجاهلين النظر في صحتها، أو مصدرها. وبحسب مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو”، فإن الحقيقة الوهمية تفيد رجال الأعمال في إقناع زبائنهم، وزيادة الثقة بمنتجاتهم؛ إذ لا يتطلب أمر تصديق المعلومة سوى تكرارها أكثر من مرتين، أو ثلاث -بحسب بعض الدراسات- لتبدو مألوفة للعقل، ومُصدَّقة لدى أغلب الناس.
ولا يقتصر استخدام هذه النظرية -فيما يبدو- على رجال الأعمال؛ ذلك أن وسائل الإعلام قد طوَّعتها هي وغيرها في سبيل تحقيق أجنداتها وأهدافها المنشودة، مثلما يمكن وصفه بالحملات الإعلامية، وهي التركيز على رسائل معينة يجرى تداولها، أو ترويجها، بأشكال مختلفة في مدة معينة. وسواء أكان الهدف منها إيجابيًّا أم سلبيًّا بالنسبة إلى الفئة المستهدفة؛ فإن هدف التمكن من عقول الناس وإقناعهم بالفكرة يبقى أمرًا مشتركًا.
أمَّا المثال الأشمل لنظرية تأثير الحقيقة الوهمية؛ فقد برعت فيه إحدى الشبكات الإعلامية في العقد السابق؛ إذ شكَّلت مجموعة كبيرة من المنصات والقنوات الإعلامية بأسماء وتخصصات متنوعة، ومن دول مختلفة، يمكن تصنيفها في ثلاث فئات: الفئة الدُّنيا، وهي فئة بث الأخبار من دون دليل، أو مصدر، أو ما تُمكِن تسميته “فئة الصحافة الصفراء”، وتتضمن مجموعة من المواقع الإخبارية الحديثة الإنشاء ذات الملكية المجهولة، وعددًا كبيرًا من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية تتولى نشر الأخبار نفسها. والفئة الثانية، وهي فئة المواقع الإخبارية الأكثر مصداقية، التي تهتم بوضع مصادر لأخبارها؛ وتحليلها بطريقة أكثر إقناعًا، تتبعها حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تتسم بمصداقية متوسطة، وتداول منطقي أكثر. أمَّا الفئة الثالثة، فهي فئة القناة الرئيسية، وملحقاتها من القنوات الرسمية التابعة لها، التي تنشر الأخبار المهمة والموثوق بها، وكذلك تفعل حساباتها الرسمية، وحسابات الشخصيات التابعة لها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتستخدم المنظومة المذكورة نظرية تأثير الحقيقة الوهمية عبر بث خبرٍ مفبرك في شبكة منصات الفئة الثالثة، وإغراق الفضاء الرقمي بالعنوان نفسه من دون وجود ما يسنده من أدلة، أو مصادر؛ لتقوم بعد أيامٍ شبكة منصات الفئة الثانية بتداول الخبر نفسه مع تحليله، وشرح إمكانية حدوثه في ظل الظروف الحالية؛ استنادًا إلى مصادر تصفها بأنها غير رسمية، ليتدحرج الخبر بحسب أهميته للقناة الرئيسية ذات الشعبية الكبيرة التي قد تشير إليه في فقرة “الموضوعات المتداولة”؛ لتُخرِج نفسها من دوامة حرج المصادر؛ ولضمان تأثير الخبر “المفبرك” في أكبر شريحة ممكنة، بعد تكرار تداوله في مختلف المنصات.
ولا شك أن وجود مثل هذه النظريات وغيرها، بالتزامن مع التطورات المتسارعة لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال بث المحتوى عمومًا، يزيد تحديات الباحث عن خبر موثوق به، ويضع المؤسسات الإعلامية نفسها أمام تحدي تقصي الحقائق، وتداولها، أو مواجهتها؛ فحتى كبرى وكالات الأنباء العالمية قد تقع في فخ الأخبار الزائفة، أو المضللة، ربما بالخطأ أحيانًا، أو بالقصد أحيانًا أخرى!