“ظلم الجميع عدل”.. حقاً؟

“ظلم الجميع عدل”.. حقاً؟

 

عُرِف عن الحجاج بن يوسف الثقفي قسوته وتجبره على الناس، وكان فيما حُكي عنه أنه قد جاءه اثنان متخاصمان يطلب أحدهما أخذ حقه من الآخر، وكان الحجاج حينها والياً على العراق، وبدل أن يسمع أدلة كُلٍ منهما، ويفصل بين الظالم والمظلوم، ويعطي صاحب الحقه حقه، ويعاقب الآخر، عامل الاثنان على السواء، فقيل إنه أمر بجلد الاثنين، المشتكي والمُشتكى عليه، رغم محاولة المشتكي سحب شكواه والتنازل عنها!

يفسر البعض قسوة الحجاج المفرطة لكونه اتخذ ملف ترسيخ الأمن والاستقرار في العراق حينها كأولوية قصوى، حيث كان يحاول وأد كل ما يمكن ان يحول دون ذلك مهما كان، في محاولة لصرف الانتباه والجهد نحو القضايا الرئيسية التي تخدم الدولة وتقوي أركانها.

قد نتفق عموماً أن سير القادة والزعماء لا تخلوا من المبالغات والفبركات، إلا أن حديثنا هنا عن “نموذج” في القيادة وإدارة الشؤون الداخلية والذي تكرر في أزمنة تاريخية مختلفة، ففي مِثال الحجاج مثلاً، نلحظ في العديد من أحكامه القاسية حرصه على “تحقيق المساواة في مقدار الظلم للرعية”، وهو على ما يبدو أحد أبرز أسباب قلة قضايا الخلاف في العراق حينها، وهو كذلك ما كان – على ما يبدو – سبباً في تفشي الظلم حينها!

العدل وكما يُقال يتلخص في المساواة، والظلم يبدأ من التمييز، وكما هو معروف فالظلم درجات، وهو شائع منذ فجر التاريخ، وجميع البشر باختلاف درجاتهم مُعرضين لشره.

لي صديقٌ مُجتهد، أُصنفه في فئته الإدارية كأحد المكافحين المناضلين، المبتعدين عن الأضواء، أصحاب الولاء المطلق لجهات عملهم رغم تحديات عدم التقدير والتهميش والتجاهل المعتادة في معظم الشركات والمؤسسات أينما كانت في العالم، ترقب كغيره استكمال العام لاستقبال خبر نزول العلاوة المالية التي تهطل عاماً وتجف أعواماً أخرى، وحين جاء وقتها المحدد لم يُبشر بشيء، فكان أن حمِد الله على كل حال وانشغل مجدداً في عمله متناسياً موضوع العلاوة.

إلا أن رصاصة القهر أصابت صديقي في مقتل حين أخذ من حوله بتبادل التبريكات والتهاني، وتحديداً، حين أصابته شظايا طائشة خاطئة تبارك له نزول العلاوة المنتظرة، ليُدرك المسكين حصول اغلب من حوله عليها، وتجاهله هو، رغم وجوده في أغلب فرق العمل المعنية بالعلاوة، لتنخفض الروح المعنوية من الحالة المعتادة إلى الصفر تقريباً في زمنٍ قياسي، وليقضي أيامه التالية في استرجاع ذكريات جهوده خلال العام ومقارنتها بمن حوله متعجباً من جرأة و”قسوة” من قاموا بمحاباة أحبائهم دونه على حد اعتقاده. ورغم محاولة مسؤوليه تقديم المبررات المختلفة، كتبرير ما حدث بأنه ناتِجٌ عن خطءٍ غير مقصود، او قصورٍ في التثبت من قوائم الأسماء! إلا أنه لا يزال يستذكر الموقف وقد عزم في قرارة نفسه على عدم الاجتهاد في عمله، وتسخير وقته في البحث عن وظيفة أخرى قد تتضمن هامش تقديرٍ أكبر!

الحالة المثالية والعادلة في حكاية صديقي هي المساواة وإنصاف المجتهد أسوةً بغيره بلا شك، ولكن ماذا لو كان من الصعوبة حدوث ذلك؟ يحاول بعض المسؤولين تجنب تلك الإشكالية عند ترقية بعض الموظفين احياناً، حين يطلبون منهم عدم إخبار من حولهم بالترقية، لكيلا يؤثر ذلك على روحهم المعنوية في العمل، وهو بلا شك تكتيك دارج أثبت عدم فاعليته، حيث لا يكاد يمر أسبوع حتى يكون الجميع قد قدم التهاني بما فيهم الحارس وعمال التنظيف، كذلك وعلى النقيض يحاول مسؤولون آخرون استغلال المناسبة لإطلاق الوعود لكل من لم يحالفه الحظ بأنه سيكون في صدارة قائمة الترقيات والمكافآت التالية، وهو ما لا يحدث عادة ويكون سبباً في كره الموظفين لمسؤولهم “الكاذب” و”الخائف على منصبه ممن هم دونه من العظماء والعلماء!” كما جرت عادة الأوصاف!

ولكني أتساءل وبعد ما شهِدتُ حكاية صديقي عن قرب.. ماذا لو ظُلم الجميع ولم يحصل أحدهم على تلك العلاوة؟  هل كان ذاك سيُسمى ظُلماً أصلاً؟ وماذا عن غيره الذين تحصلوا عليها.. ألم تزد انتاجيتهم بعدها وتفيد المؤسسة أكثر؟ مما قد يعني إيجابية الخطوة بشكل عام؟ فما هي الآلية الأجدى لقياس مثل هكذا شؤون؟

يُقال: قوانين البشر لا تُنصف دائماً.. وحده الله عزوجل هو المنصف.

التعليقات

بارك الله فيك مقال في الصميم
للاسف هذا هو الواقع المرير الذي نعيشه في مؤسساتنا وبوجود هذه النوعية من المسئولين .

فعلاً سؤال وجيه ومعضلة حقيقيه! قد يجد المرء نفسه في وضع يحتم عليه اتخاذ قرار بمنح علاوات وامتيازات لجزء من فريق العمل. وهنا يكون المسؤول في كلا الحالتين مكروه سواء أعطى جزء من فريق العمل أو لم يعطي فريق العمل كاملاً! فهل على المسؤول أن يكترث أم لا؟ وهل يركز على العمل أم العدل؟ أعتقد أن المسؤول صاحب المهارات الإجتماعية العاليه والأسلوب المقنع هو من يستطيع أن يرضي جميع الأطراف من الناحية “العاطفيه” ويستمر في مسيرته “العمليه” لتحقيق أهداف المؤسسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *