أيّهما أولى بتولي المناصب؟

أيّهما أولى بتولي المناصب؟

 

كلفه الرسول “صلى الله عليه وسلم” بقيادة جيشٍ يضم عمر بن الخطاب وكبار الصحابة والتوجه لمواجهة الروم، كان عليه توزيع أدوار القتال ومعرفة مواقع العدو وجاهزيته وعتاده واعتماد خطة الهجوم وغيرها. توفي الرسول الكريم قبل إرسال الجيش، فقام بالمهمة خليفته أبوبكر الصديق، وراح الجيش وأدى مهمته وعاد إلى الديار مُنتصراً.

ليس الجديد في انتصار الجيش، بل في قائده، فقد كان الصحابي أسامة بن زيد ذو الـ18 عاماً حينها! أي أنه كان لا يزال شاباً حتى على فئة الشباب نفسها، غير أن عقليته وبراعته كانت تتجاوز عمر السنين تلك، فكانت نتيجة جُهده أن وُلي على ذلك الجيش! وكانت نتيجة الاعتماد عليه أن أنجز المهمة بنجاح.

وقبل سنوات، وبعد هذه الحادثة بأكثر من 1430 عاماً، وبعد تجاوزي عمر أسامة بن زيد حينها بأكثر من 5 أعوام، سألني أحد زملاء العمل آنذاك عن عمري، وحين أخبرته، ورددت عليه بالسؤال نفسه، ابتسم ابتسامة الواثق من نفسه، المُنتصر مُسبقاً في معركته، المفتخر بتاريخه المليء بالنياشين والألقاب والانجازات، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال ليبوح بسره الغامض، حيث وبلغة استعلاء شديدة قال: “عندما ولدت أنت.. كُنت أنا قد تخرجت من المدرسة.. لازِلتَ في البداية ولم تعرف من الدنيا شيء!”.

لم يكن ما قاله غريباً فهو يبدو كذلك فعلاً، ولكني رددت عليه: “أسأل الله أن يمُد في عمرك ويزيد من خبراتك ويرزقنا الحذو حِذوكَ ويجعلك خير أبٍ لهذه المؤسسة، ولكن ألم تلحظ أنك تجلس بجانبي وتقوم بنفس عملي “إن لم يكن أقل” مع أنك هنا منذ كل تلك السنين؟”، فانقلب الحال من حالٍ إلى حال، وأخذ يشكو الحال في الحال، قاصاً بذلك حكاية الظُلم الواقع به وقصص عدم التقدير والتهميش والخذلان رغم كل المشاريع الأسطورية التي أنجزها “والتي لم تتعدى أعمالاً روتينية تخلو من روح المُبادرة والابتكار”. فوجدت نفسي مُرغماً على أخذ وضعية الأخ الأكبر والـ”الطبطبة” على ظهره وتذكيره بعدالة السماء وأن الظُلم ظلمات وأن الأرزاق بيد الله وأن الحق لابد أن ينتصر يوماً! حتى أني وصلت لتذكيره بقِصرِ عُمر الإنسان وقُرب أجلِه! فلم أعُد أدري أيُنا أكبر!

الخبرة مهمة لا مناص منها، وتقدير أهلها واجِبٌ حتمه علينا ديننا وتقاليدنا الأصيلة، ولكنها تتفاوت بتفاوت الكفاءات لا الأعمار فحسب، فهناك من يجتهد ليكبر في اليوم بمعدل مئة يوم، أو أقل من ذلك بقليل، بينما هناك من يفضل التواضع في الاجتهاد، ليكبر في اليوم بمقدار ذلك اليوم فقط، أو لربما بأقل من ذلك!

في إحصائية أُجريت في كندا عام 2019، تبين أن النسبة الأكبر من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص هم شبابٌ من الفئات العمرية بين 25 – 39 عاماً، بينما وفي إحصائية مشابهة في الدنمارك، فقد أظهرت النتائج أن النسبة الأكبر كانت للفئات العمرية من 40 – 49 عاماً، وكما هو معلوم، فكندا والدنمارك تتشاركان المقاعد الأولى ضمن أفضل 10 دولٍ في العالم في جودة الحياة وأداء الشركات والخدمات الحكومية المقدمة، وكما يبدو، فأعمار العاملين لم تكن أحد مقاييس نجاح تلك الدول، فالدنمارك لم تتخلف بسبب تقدم أعمار فئة كبيرة من موظفيها، ولا كندا تراجعت بسبب شبابها، بل كان الفارق هناك هو القيمة المضافة التي يقدمها كل فرد أينما كان موقعه ومجال اختصاصه. أما التفاخر بالجلوس على الكرسي “منذ صناعته” فهو بلا شك استنقاصٌ من قيمة الشخص لا العكس!

فأيهم أصلحُ لتولي المناصب؟ شابٌ بمثل إمكانيات أسامة بن زيد؟ أم صاحب مدة عمل متقدمة مثل زميل عملي المذكور؟

 

صدر المقال في صحيفة الرؤية الإماراتية: رابط الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *