العرفان على قدر الإنسان

العرفان على قدر الإنسان

 

يقول النبي محمد ﷺ: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، وتعني أن من كان من طبيعته عدم شكر الناس على معروفهم، فإنه يغلب عليه الحال نفسه مع نِعم الله عزوجل. طبيعة الناس مهما اختلفوا، محبتهم لتقدير جهودهم وعملهم، ولو بعد حين، وتجاهل ذلك مع مرور الوقت قد يولد الضجر والكراهية وأموراً أسوء من ذلك، لكن الأهم هنا التساؤل بكيف يكون التقدير؟

في أحد المُدن القديمة، أنقذ بطلٌ غريبٌ السكان من غُزاتهم، فاحتاروا كيف يمكنهم شكره على عظيم فضله، فجزاء هذا العمل يفوق المال والزوجة والجاه بحسب تقديرهم، فاتفقوا على أن أعظم طريقة لشكره هي قتله، ودفنه في مقبرة المعبد المقدسة، وتنصيبه كأحد الأولياء الصالحين، والدعاء والتضرع باسمه، تكريماً له، وحفاظاً على الأمن في المدينة، إضافة إلى تشييد نصب تذكاري خارج المعبد تخليداً لذكرى هذا البطل الشهم إلى الأبد.

لم يقصد الناس الإساءة للرجل، بل شُكرَه وتقديره، لكن المسكين أو “المرحوم” لم تكن تعنيه تلك المعتقدات، بل كان كغيره من المقاتلين التجوالين المرتزقة يبحث عن المال، وحين مر مصادفة على تلك المدينة الثرية وتبين له إمكانية انقاذها، وتحصيل ما لسكانها من ثروات، قرر التدخل وخياله بعيدٌ يُحصي أكوام الذهب التي قد تتحاذفُ عليه حال انتصاره الذي بدا واثقاً منه، أما نصب تذكارٍ باسمه أو التوجه له بالدعاء فكان كما يُقال “آخر همه”.

فلنتخيل مثالاً آخر في زماننا هذا، ولنتفق أن بعض العمال من البُسطاء منخفضي الدخل، تكفيهم دراهم إضافية ليعبروا لك عن خالص امتنانهم وشكرهم، بينما وفي المقابل، يسعَدُ بعض الموظفين الطموحين بعبارات مُحفزة من مسؤوليهم أو لقاءات مباشرة تجمعهم بقيادات مؤسساتهم بين حينٍ وآخر، ولنتخيل ما قد يحدث لو عُكِسَت طُرق الشُكر في الحالتين!

فماذا لو جيء يوماً للعامل البسيط لتهنئته بحصوله على شهادة تقدير من الدرجة الأولى، يُسلمها له أحد مدراء الشركة التي لا يذكُر العامل حتى اسمها، ووعده بوضع صورته على لوحة الشرف لهذا الشهر في مكتب إدارة الشركة التي لم يرها في حياته! وعلى الجانب الآخر، كيف يمكن تصور خيبة أمل ذلك الموظف المجتهد الذي سيكافئ بدراهم معدوداتٍ توضع له في ظرفٍ متواضع، يُسلم له عبر أحد العمالة المساعدة في الشركة، دون أي ضجيج أو تصفيق ممن حوله!

اختيار طريقة الشكر مهمة كذلك أدواتها، فإهداء مشطٍ لأصلعٍ قد تعني السخرية، وخمورٍ لمسلم قد تشير لعدم الاحترام، وعلبة حلويات لمريض السكري بعدم الاكتراث، بل وحتى إهداء سيارة فاخرة قد تُعد أضحوكة حال علمنا أن المُهدى له مُصابٌ بالشلل الدائم!

فلنسعى لشكر الناس وتقديرهم بما يناسبهم، وبالحجم الذي يستحقونه، وبالطريقة التي يرونها “هُم” مناسبة، ولا بأس أحياناً في الإكثار منها.

أما وفي حكاية بطلنا، فيُذكر أنه وخلال السنوات اللاحقة، باتت تتكشف هويته الحقيقية للناس، فكل من مر على تلك المدينة وشاهد النصب التذكاري استذكر جرائمه المروعة بحق الأبرياء، مما أثار السكان وجعلهم يعيدون النظر في “وليهم الصالح”، و بدأُوا بإقصائه تدريجياً من قائمة الأولياء الصالحين، ثم كسر نصبه التذكاري، حتى وصل قائمة الأشرار الضالين المغضوب عليهم. فلا حصد “المسكين” منهم شكراً لائقاً على طريقته كما أراد منهم في دنياه، ولا شكراً لائقاً على طريقتهم هم بعد مماته.

 

عجبتني الامثلة جدا ماشاء الله عليك
الرسالة واضحة وياليت بعض المسؤولين يتعضون من هالدروس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *