الروتين لا يكسر.. بل يتغير!

الروتين لا يكسر.. بل يتغير!

اشتكى صاحب البقالة من مشقة ركوب الدراجة الهوائية وتوصيل الطلبات تحت شمس الظهيرة، بينما اشتكى الحلاق من وقوفه لساعات طويلة للقيام بالشيء نفسه وتحت موجه التكييف مباشرة إرضاءً لزبائنه، ليقرر العاملان أخيراً تحدي هذا الروتين بتغيير بسيط في جدولهم اليومي، اتفقا على أن يقوم الحلاق بتوصيل الطلبات صباحاً والعودة لعمله بعد الظهر، وينوب بالحلاقة عنه صاحب البقالة.. “فكرة عظيمة”.. هكذا ظن من حولهم!

أما النتيجة فكانت سريعة، فقد تطلب الأمر أياماً من الحلاق حتى يحفظ مساكن الزبائن ويفهم نوعية الطلبات، إضافة إلى أياماً إضافية لحفظ طريق العودة للبقالة! وعلى الجانب الآخر فكان التحدي أعظم، فرغم قلة عدد زبائنه صباحاً إلى أن محاولات البقال المتكررة لتعلم أساليب تهذيب اللحية وترتيب الشعر باءت بالفشل، وبالغضب أحياناً كثيرة، مما دفع الاثنان لإنهاء هذه المغامرة سريعاً خشية دمار مستقبلهم بسبب شغف تغيير الروتين.

لم يخطئ الاثنان حين حاولا إقحام مهام جديدة في جدول أعمالهم اليومي، وبالتأكيد فليس من أحدٍ يتوقع لهم النجاح في تجربة جديدة من يومها الأول، إلا أن مهامهم الجديدة ولسوء حظهم مست المتطلبات اليومية “لجمهورهم المستهدف” بشكل مباشر، مما جعلها أكثر تعقيداً وتطلباً لدراسة متأنية وحكيمة.

الروتين اليومي يا سادة قد يتغير عشرات المرات، لكن حذار من “كسره” بين ليلة وضحاها، والانتقال من مجالٍ لمجالٍ دون معرفة أو خبرة سابقة، فقد تكون تكلفة ذلك هدم ما تم بناؤه مسبقاً، وإسقاط أكوامٍ من الحجارة على جسر العودة، خاصة إذا ما كان نطاق العمل يتضمن احتكاكاً مباشراً مع الجمهور كما في حكاية الحلاق والبقال، ففي عصر التوثيق المباشر وتبادل المعلومات نجد صعوبة في إخفاء خطئٍ اقترفناه في لحظات سابقة، أو استحالة إخفاءه أو نكرانه، والمحصلة تكمن غالباً في تعثر تحقيق الطموحات المأمولة، نتيجة تلطخ سمعة صاحبها، أو تطلب وقت أطول بكثير حتى إجادة متطلبات المجال الجديدة.

فحتى صاحب البقالة مُهددٌ بتشوه سمعته التي قد تنتج عن الاستغناء عن خدماته حال تكررت أخطاءه، فنسيان الحليب مع الطلب قد يغتفر أحياناً، لكن خطئاً مثل نسيان طلبات بأكملها بشكل متكرر، قد لا تغتفر في كثيرٍ من الأحيان الأخرى!

الشاهد في الموضوع.. أن كسر الروتين في حكاية البقال والحلاق قد تم فعلاً، لكن بطريقة مختلفة، فالأول اشترى بقالة أكبر ومخزن ومحل لبيع الجملة، وبات يتنقل يومياً بين “حلاله” كـ مدير يأمر وينهي، ليعود مساءً ويقود دراجة هوائية للهواية هذه المرة، أما الحلاق فقد انتقل كبائعٍ في محل مرموق، لينتقل بعدها لإدارة ذلك المحل ثم شراءه وإدارة مجموعة فروعه، وليستغل فترة راحته بلعبة تنس الطاولة حيث يقف للعب والتسلية فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *